فصل: ذكر عزل أبي علي عن خراسان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة

في هذه السنة سار يوسف بن وجيه صاحب عمان في البحر والبر إلى البصرة فحصرها‏.‏

وكان سبب ذلك أن معز الدولة لما سلك البرية إلى البصرة وأرسل القرامطة ينكرون عليه ذلك وأجابهم بما ذكرناه علم يوسف بن وجيه استيحاشهم من معز الدولة فكتب إليهم يطمعهم في البصرة وطلب منهم أن يمدوه من ناحية البر فأمدوه بجمع كثير منهم وسار يوسف في البحر فبلغ الخبر إلى الوزير المهلبي وقد فرغ من الأهواز والنظر فيها فسار مجدًا في العساكر إلى البصرة فدخلها قبل وصول يوسف إليها وشحنها بالرجال وأمده معز الدولة بالعساكر وما يحتاج إليه وتحارب هو وابن وجيه أيامًا ثم انهزم ابن وجيه وظفر المهلبي بمراكبه وما معه من سلاح وغيره‏.‏

  ذكر وفاة المنصور العلوي وملك ولده المعز

في هذه السنة توفي المنصور بالله أبو الطاهر إسماعيل بن القائم أبي القاسم محمد بن عبيدالله المهدي سلخ شوال وكانت خلافته سبع سنين وستة عشر يومًا وكان عمره تسعًا وثلاثين سنة وكان خطيبًا بليغًا يخترع الخطبة لوقته وأحواله مع أبي يزيد الخارجي وغيره تدل على شجاعة

وكان سبب وفاته أنه خرج إلى سفاقس وتونس ثم إلى قابس وأرسل إلى أهل جزيرة جربة يدعوهم إلى طاعته فأجابوه إلى ذلك وأخذ منهم رجالًا معه وعاد وكانت سفرته شهرًا وعهد إلى ابنه معد بولاية العهد فلما كان رمضان خرج متنزهًا أيضًا إلى مدينة جلولاء وهو موضع كثير الثمار وفيه من الأترج ما لا يرى مثله في عظمه يكون شيء يحمل الجمل منه أربع أترجات فحمل منه إلى قصره‏.‏

وكان للمنصور جارية حظية عنده فلما رأته استحسنته وسألت المنصور أن تراه في أغصانه فأجابها إلى ذلك ورحل إليها في خاصته وأقام بها أيامًا ثم عاد إلى المنصورية فأصابه في الطريق ريح شديدة وبرد ومطر ودام عليه فصبر وتجلد وكثر الثلج فمات جماعة من الذين معه واعتل المنصور علة شديدة لأنه لما وصل إلى المنصورية أراد دخول الحمام فنهاه طبيبه إسحاق بن سليمان الإسرائيلي عن ذلك فلم يقبل منه ودخل الحمام ففنيت الحرارة الغريزية منه ولازمه السهر فأقبل إسحاق يعالج المرض والسهر باقٍ بحاله فاشتد ذلك على المنصور فقال لبعض الخدم‏:‏ أما في القيروان طبيب غير إسحاق يخلصني من هذا الأمر قال‏:‏ ها هنا شاب قد نشأ الآن اسمه إبراهيم فأمر بإحضاره وشكا إليه ما يجده من السهر فجمع له أشياء منومة وجعلت في قنينة على النار وكلفه شمها فلما أدمن شمها نام‏.‏

وخرج إبراهيم وهو مسرور بما فعل وبقي المنصور نائمًا فجاء إسحاق فطلب الدخول عليه فقيل‏:‏ هو نائم فقال‏:‏ إن كان صنع له شيء ينام منه فقد مات فدخلوا عليه فوجدوه ميتًا فدفن في قصره وأرادوا قتل إبراهيم فقال إسحاق‏:‏ ما له ذنب إنما داواه بما ذكره الأطباء غير أنه جهل أصل المرض وما عرفتموه وذلك أنني كنت في معالجته أنظر في تقوية الحرارة الغريزية وبها يكون النوم فلما عولج بالأشياء المطفئة لها علمت أنه قد مات‏.‏

ولما مات ولي الأمر بعده ابنه معد وهو المعز لدين الله وأقام في تدبير الأمور إلى سابع ذي الحجة فأذن للناس فدخلوا عليه وجلس لهم فسلموا عليه بالخلافة وكان عمره أربعًا وعشرين سنة‏.‏

فلما دخلت سنة ست وأربعين صعد جبل أوراس وجال فيه عسكره وهو ملجأ كل منافق على الملوك وكان فيه بنو كملان ومليلة وقبيلتان من هوارة لم يدخلوا في طاعة من تقدمه فأطاعوا المعز ودخلوا معه البلاد وأمر نوابه بالإحسان إلى البربر فلم يبق منهم أحد إلا أتاه وأحسن إليهم المعز وعظم أمره ومن جملة من استأمن إليه محمد بن خزر الزناتي أخو معبد فأمنه المعز وأحسن إليه‏.‏

في هذه السنة في ربيع الأول ضرب معز الدولة وزيره أبا محمد المهلبي بالمقارع مائة وخمسين مقرعة ووكل به في داره ولم يعزله من وزارته وكان نقم عليه أمورًا ضربه بسببها‏.‏

وفيها في ربيع الآخر وقع حريق عظيم ببغداد في سوق الثلاثاء فاحترق فيه للناس ما لا يحصى‏.‏

و في هذه السنة ملك الروم مدينة سروج وسبوا أهلها وغنموا أموالهم وأخربوا المساجد‏.‏

وفيها سار ركن الدولة من الري إلى طبرستان وجرجان فسار عنها إلى ناحية نسا وأقام بها واستولى ركن الدولة على تلك البلاد وعاد عنها إلى الري واستخلف بجرجان الحسن بن فيرزان وعلي بن كامة فلما رجع ركن الدولة عنها قصدها وشمكير فانهزموا منه واستردها وشمكير‏.‏

وفيها ولد أبو الحسن علي بن ركن الدولة بن بويه وهو فخر الدولة‏.‏

وفيها توفي أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار النحوي المحدث وهو من أصحاب المبرد وكان مولده سنة سبع وأربعين ومائتين وكان مكثرًا من الحديث‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة

في هذه السنة هرب ديسم بن إبراهيم أبو سالم عن أذربيجان وكنا قد ذكرنا استيلاءه عليها‏.‏

وأما سبب هربه عنها فإنه كان ركن الدولة بن بويه قد قبض على بعض قواده واسمه علي بن ميسكي فأفلت من الحبس وقصد الجبل وجمع جمعًا وسار إلى وهسوذان أخي المرزبان فاتفق معه وتساعدا على ديسم‏.‏

ثم إن المرزبان استولى على قلعة سميرم على ما نذكره ووصلت كتبه إلى أخيه وعلي بن ميسكي بخلاصه وكاتب الديلم واستمالهم ولم يعلم ديسم بخلاصه إنما كان يظن أن وهسوذان وعلي بن ميسكي يقاتلانه‏.‏

وكان له وزير يعرف بأبي عبدالله النعيمي فشره إلى ماله وقبض عليه واستكتب إنسانًا كان يكتب للنعيمي فاحتال النعيمي بأن أجابه إلى كل ما التمس منه وضمن منه ذلك الكاتب بمال فأطلقه ديسم وسلم إليه كاتبه وأعاده إلى حاله‏.‏

ثم سار ديسم وخلفه بأردبيل ليحصل المال الذي بذله فقتل النعيمي ذلك الكاتب وهرب بما معه من المال إلى علي بن ميسكي فبلغ الخبر ديسم بقرب زنجان فعاد إلى أردبيل فشغب الديلم عليه ففرق فيهم ما كان له من مال وأتاه الخبر بمسير علي بن ميسكي إلى أردبيل في عدة يسيرة فسار نحوه والتقيا واقتتلا فانحاز الديلم إلى علي وانهزم ديسم إلى أرمينية في نفر من

وورد عليه الخبر بمسير المرزبان عن قلعة سميرم إلى أردبيل واستيلاء على أذربيجان وإنفاذه جيشًا نحوه فلم يمكنه المقام فهرب عن أرمينية إلى بغداد فكان وصوله هذه السنة فلقيه معز الدولة وأكرمه وأحسن إليه فأقام عنده في أرغد عيش‏.‏

ثم كاتبه أهله وأصحابه بأذربيجان يستدعونه فرحل عن بغداد سنة ثلاث وأربعين وطلب من معز الدولة أن ينجده بعسكر فلم يفعل لأن المرزبان كان قد صالح ركن الدولة وصاهره فلم يمكن معز الدولة مخالفة ركن الدولة فسار ديسم إلى ناصر الدولة بن حمدان بالموصل يستنجده فلم ينجده فسار إلى سيف الدولة بالشام وأقام عنده إلى سنة أربع وأربعين وثلاثمائة‏.‏

واتفق أن المرزبان خرج عليه جمع بباب الأبواب فسار إليهم فأرسل مقدم من أكراد أذربيجان إلى ديسم يستدعيه إلى أذربيجان ليعاضده على ملكها فسار إليها وملك مدينة سلماس فأرسل إليه المرزبان قائدًا من قواده فقاتله فاستأمن أصحاب القائد إلى ديسم فعاد القائد منهزمًا وبقي ديسم بسلماس‏.‏

فلما فرغ المرزبان من أمر الخوارج عليه عاد إلى أذربيجان فلما قرب من ديسم فارق سلماس وسار إلى أرمينية وقصد ابن الديراني وابن حاجيق لثقته بهما فكتب المرزبان إلى ابن الديراني يأمره بالقبض على ديسم فدافعه ثم قبض عليه خوفًا من المرزبان فلما قبض عليه أمره المرزبان بأن يحمله إليه فدافعه ثم اضطر إلى تسليمه فلما تسلمه المرزبان سلمه وأعماه ثم حبسه فلما توفي المرزبان قتل ديسم بعض أصحاب المرزبان خوفًا من عائلته‏.‏

  ذكر استيلاء المرزبان على سميرم

قد ذكرنا أسر المرزبان وحبسه بسميرم وأما سبب خلاصه فإن والدته وهي ابنة جستان بن وهسوذان الملك وضعت جماعة للسعي في خلاصه فقصدوا سميرم وأظهروا أنهم تجار وأن المرزبان قد أخذ منهم أمتعة نفيسة ولم يوصل ثمنها إليهم واجتمعوا بمتولي سميرم ويعرف ببشير أسفار وعرفوه ما ظلمهم به المرزبان وسألوه أن يجمع بينهم ليحاسبوه وليأخذوا خطه إلى والدته بإيصال مالهم إليهم فرق لهم بشير أسفار وجمع بينهم فطالبوه بمالهم فأنكر المرزبان ذلك فغمزه أحدهم ففطن لهم واعترف لهم وقال‏:‏ حتى أتذكر مالكم فإنني لا أعرف مقداره فأقاموا هناك وبذلوا الأموال لبشير أسفار والأجناد وضمنوا لهم الأموال الجليلة إذا خلص مالهم عند المرزبان فصاروا لذلك يدخلون الحصن بغير إذن وكثر اجتماعهم بالمرزبان وأوصلوا إليه أموالًا من عند والته وأخذوا منه ما عنده من الأموال‏.‏

وكان لبشير أسفار غلام أمرد جميل الوجه يحمل ترسه وزوبينه فأظهر المرزبان لذلك الغلام محبة شديدة وعشقًا وأعطاه مالًا كثيرًا مما جاءه من والدته فواطأه على ما يريد وأوصل إليه درعًا ومبارد فبرد قيده واتفق المرزبان وذلك الغلام والذين جاؤوا لتخليص المرزبان على أن يقتلوا بشير أسفار في يوم ذكروه‏.‏

وكان بشير أسفار يقصد المرزبان كل أسبوع ذلك اليوم يفتقده وقيوده ويصبره ويعود فلما كان يوم الموعد دخل أحد أولئك التجار فقعد عند المرزبان وجلس آخر عند البواب وأقام الباقون عند باب الحصن ينتظرون الصوت ودخل بشير أسفار إلى المرزبان فتلطف به المرزبان وسأله أن يطلقه وبذل له أموالًا جليلة وإقطاعًا كثيرًا فامتنع عليه وقال‏:‏ لا أخون ركن الدولة أبدًا‏!‏ فنهض المرزبان وقد أخرج رجله من قيده وتقدم إلى الباب فأخذ الترس والزوبين من ذلك الغلام وعاد إلى بشير أسفار فقتله هو وذلك التاجر الذي عنده وثار الرجل الذي عند البواب به فقتله ودخل من كان عند باب الحصن إلى المرزبان‏.‏

وكان أجناد القلعة متفرقين فلما وقع الصوت اجتمعوا فرأوا صاحبهم قتيلًا فسألوا الأمان فأمنهم المرزبان وأخرجهم من القلعة واجتمع إليه أصحابه وغيرهم وكثر جمعه وخرج فلحق بأمه وأخيه واستولى على البلاد على ما ذكرناه قبل‏.‏

لما كان من أمر وشمكير وركن الدولة ما ذكرناه كتب وشمكير إلى الأمير نوح يستمده فكتب نوح إلى أبي علي بن محتاج يأمره بالمسير في يجوش خراسان إلى الري وقتال ركن الدولة فسار أبو علي في جيوش كثيرة واجتمع معه وشمكير فسارا إلى الري في شهر ربيع الأول من هذه السنة‏.‏

وبلغ الخبر إلى ركن الدولة فعلم أنه لا طاقة له بمن قصده فرأى أن يحفظ بلده ويقاتل عدوه من وجه واحد فحارب الخراسانيين بطبرك وأقام عليه أبو علي عدة شهور يقاتله فلم يظفر به وهلكت دواب الخراسانية وأتاهم الشتاء وملوا فلم يصبروا فاضطر أبو علي إلى الصلح فتراسلوا في ذلك وكان الرسول أبا جعفر الخازن صاحب كتاب زيج الصفائح وكان عارفًا بعلوم الرياضة وكان المشير به محمد بن عبد الرزاق المقدم ذكره فتصالحا وتقرر على ركن الدولة كل سنة مائتا ألف دينار وعاد أبو علي إلى خراسان‏.‏

وكتب وشمكير إلى الأمير نوح يعرفه الحال ويذكر له أن أبا علي لم يصدق في الحرب وأنه مالأ ركن الدولة فاغتاظ نوح من أبي علي وأما ركن الدولة فإنه لما عاد عنه أبو علي سار نحو وشمكير فانهزم وشمكير من بين يديه إلى أسفرايين واستولى ركن الدولة على طبرستان‏.‏

  ذكر عزل أبي علي عن خراسان

لما اتصل خبر عود أبي علي عن الري إلى الأمير نوح ساءه ذلك وكتب وشمكير إلى نوح يلزم الذنب فيه أبا علي فكتب إلى أبي علي بعزله عن خراسان وكتب إلى القواد يعرفهم أنه قد عزله عنهم فاستعمل على الجيوش بعده أبا سعيد بكر بن مالك الفرغاني فأنفذ أبو علي يعتذر وراسل جماعةً من أعيان نيسابور يقيمون عذره ويسألون أن لا يعزل عنهم فلم يجابوا إلى ذلك وعزل أبو علي عن خراسان وأظهر الخلاف وخطب لنفسه بنيسابور‏.‏

وكتب نوح إلى وشمكير والحسن بن فيرزان يأمرهما بالصلح وأن يتساعدا على من يخالف الدولة ففعلا ذلك فلما علم أبو علي باتفاق الناس مع نوح عليه كاتب ركن الدولة في المصير إليه لأنه علم أنه لا يمكنه المقام بخراسان ولا يقدر على العود إلى الصغانيان فاضطر إلى مكاتبة ركن الدولة في المصير إليه فأذن له في ذلك‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة في الحادي والعشرين من شباط ظهر بسواد العراق جراد كثير أقام أيامًا وأثر في الغلاء آثارًا قبيحة وكذلك ظهر بالأهواز وديار الموصل والجزيرة والشام وسائر النواحي ففعل مثل ما فعله بالعراق‏.‏

وفيها عاد رسل كان الخليفة أرسلهم إلى خراسان للصلح بين ركن الدولة ونوح صاحب خراسان فلما وصل إلى حلوان خرج عليهم ابن أبي الشوك في أكراده فنهبهم ونهب القافلة التي كانت معهم وأسر الرسل ثم أطلقهم فسير معز الدولة عسكرًا إلى حلوان فأوقعوا بالأكراد وأصلحوا البلاد هناك وعادوا‏.‏

وفيها سير الحجاج الشريفان أبو الحسن محمد بن عبدالله وأبو عبدالله أحمد بن عمر بن يحيى العلويان فجرى بينهما وبين عساكر المصريين من أصحاب ابن طغج حرب شديدة وكان الظفر لهما فخطب لمعز الدولة بمكة فلما خرجا من مكة لحقهما عسكر مصر فقاتلهما فظفرا به أيضًا‏.‏

وفيها توفي علي بن أبي الفهم داود أبو القاسم جد القاضي علي بن الحسن ابن علي التنوخي في ربيع الأول وكان عالمًا بأصول المعتزلة والنجوم وله شعر‏.‏

وفيها في رمضان مات الشريف أبو علي عمر بن علي العلوي الكوفي ببغداد بصرع لحقه‏.‏

وفيها في شوال مات أبو عبدالله محمد بن سليمان بن فهد الموصلي‏.‏

وفيها مات أبو الفضل العباس بن فسانجس بالبصرة من ذرب لحقه وحمل إلى الكوفة فدفن بمشهد أمير المؤمنين علي وتقلد الديوان بعده ابنه أبو الفرج وجرى على قاعدة أبيه‏.‏

وفيها في ذي القعدة ماتت بدعة المغنية المشهورة المعروفة ببدعة الحمدونية عن اثنتين وتسعين سنة‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة

  ذكر حال أبي علي بن محتاج

قد ذكرنا من أخبار أبي علي ما تقدم فلما كتب إلى ركن الدولة يستأذنه في المصير إليه أذن له فسار إلى الري فلقيه ركن الدولة وأكرمه وأقام الأتراك الضيافة له ولمن معه وطلب أبو علي أن يكتب له عهدًا من جهة الخليفة بولاية خراسان فأرسل ركن الدولة إلى معز الدولة في ذلك فسير له عهدًا بما طلب وسير له نجدةً من عسكره فسار أبو علي إلى خراسان واستولى على نيسابور وخطب للمطيع بها وبما استولى عليه من خراسان ولم يكن يخطب له بها قبل ذلك‏.‏

ثم إن نوحًا مات في خلال ذلك وتولى بعده ولده عبد الملك‏.‏

فلما استقر أمره سير بكر بن مالك إلى خراسان من بخارى وجعله مقدمًا على جيوشها وأمره بإخراج أبي علي من خراسان فسار في العساكر نحو أبي علي فتفرق عن أبي علي أصحابه وعسكره وبقي معه من أصحابه مائتا رجل سوى من كان عنده من الديلم نجدة له فاضطر إلى الهرب فسار نحو ركن الدولة فأنزله معه في الري واستولى ابن مالك على خراسان فأقام بنيسابور وتتبع أصحاب أبي علي‏.‏

  ذكر موت الأمير نوح بن نصر وولاية ابنه عبد الملك

و في هذه السنة مات الأمير نوح بن نصر الساماني في ربيع الآخر وكان يلقب بالأمير الحميد وكان حسن السيرة كريم الأخلاق ولما توفي ملك بعده ابنه عبد الملك وكان قد استعمل بكر بن مالك على جيوش خراسان كما ذكرنا فمات قبل أن يسير بكر إلى خراسان فقام بكر بأمر عبد الملك ابن نوح وقرر أمره فلما استقر حاله وثبت ملكه أمر بكرًا بالمسير إلى خراسان فسار إليها وكان من أمره مع أبي علي ما قدمنا ذكره‏.‏

  ذكر غزاة لسيف الدولة بن حمدان

في هذه السنة في شهر ربيع الأول غزا سيف الدولة بن حمدان بلاد الروم فقتل وأسر وسبى وغنم وكان فيمن قتل قسطنطين بن الدمستق فعظم الأمر على الروم وعظم الأمر على الدمستق فجمع عساكره من الروم والروس والبلغار وغيرهم وقصد الثغور فسار إليه سيف الدولة بن حمدان فالتقوا عند الحدث في شعبان فاشتد القتال بينهم وصبر الفريقان ثم إن الله تعالى نصر المسلمين فانهزم الروم وقتل منهم وممن معهم خلق عظيم وأسر صهر الدمستق وابن ابنته وكثير من بطارقته وعاد الدمستق مهزومًا مسلولًا‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة كان بخراسان والجبال وباء عظيم هلك فيه خلق كثير لا يحصون كثرةً‏.‏

وفيها صرف الابرعاجي عن شرطة بغداد وصودر على ثلاثمائة ألف درهم ورتب مكانه بكبيك نقيب الأتراك‏.‏

وفيها سار ركن الدولة إلى جرجان ومعه أبو علي بن محتاج فدخلها بغير حرب وانصرف وشمكير عنها إلى خراسان‏.‏

وفيها وقعت الحرب بمكة بين أصحاب معز الدولة وأصحابه ابن طغج من المصريين فكانت الغلبة لأصحاب معز الدولة فخطب بمكة والحجاز لركن الدولة ومعز الدولة وولده عز الدولة بختيار وبعدهم لابن طغج‏.‏

وفيها أرسل معز الدولة سبكتكين في جيش إلى شهرزور في رجب ومعه المنجنيقات لفتحها فسار إليها وأقام بتلك الولاية إلى المحرم من سنة أربع وأربعين وثلاثمائة فعاد ولم يمكنه فتحها لأنه اتصل به خروج عساكر خراسان إلى الري على ما نذكره إن شاء الله تعالى فعاد إلى بغداد فدخلها في المحرم‏.‏

وفيها في شوال مات أبو الحسين محمد بن العباس بن الوليد المعروف بابن النحوي الفقيه‏.‏

وفيها في شوال أيضًا مات أبو جعفر محمد بن القاسم الكرخي‏.‏

  ثم دخلت سنة أربع وأربعين وثلاثمائة

  ذكر مرض معز الدولة وما فعله ابن شاهين

كان قد عرض لمعز الدولة في ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين مرض يسمى فريافسمس وهو دوام الإنعاظ مع وجع شديد في ذكره مع توتر أعصابه وكان معز الدولة خوارًا في أمراضه فأرجف الناس به واضطربت بغداد فاضطر إلى الركوب فركب في ذي الحجة على ما به من شدة المرض فلما كان في المحرم من سنة أربع وأربعين وثلاثمائة أوصى إلى ابن بختيار وقلده الأمر بعده وجعله أمير الأمراء‏.‏

وبلغ عمران بن شاهين أن معز الدولة قد مات واجتاز عليه مال يحمل إلى معز الدولة من الأهواز وفي صحبته خلق كثير من التجار فخرج عليهم فأخذ الجميع فلما عوفي معز الدولة راسل ابن شاهين في المعنى فرد عليه ما أخذه له وحصل له أموال التجار وانفسخ الصلح بينهما وكان ذلك في المحرم‏.‏

  ذكر خروج الخراسانية إلى الري وأصبهان

في هذه السنة خرج عسكر خراسان إلى الري وبها ركن الدولة وكان قد قدمها من جرجان أول المحرم فكتب إلى أخيه معز الدولة يستمده فأمده بعسكر مقدمهم الحاجب سبكتكين وسير من خراسان عسكرًا آخر إلى أصبهان على طريق المفازة وبها الأمير أبو منصور بويه بن ركن الدولة‏.‏

فلما بلغه خبرهم سار عن أصبهان بالخزائن والحرم التي لأبيه فبلغوا خان لنجان وكان مقدم العسكر الخراساني محمد بن ما كان فوصلوا إلى أصبهان فدخلوها وخرج ابن ما كان منها في طلب بويه فأدرك الخزائن فأخذها وسار في أثره وكان من لطف الله به أن الأستاذ أبا الفضل بن العميد وزير ركن الدولة اتصل بهم في تلك الساعة فعارض ابن ما كان وقاتله فانهزم

قال ابن العميد‏:‏ فبقيت وحدي وأردت اللحاق بأصحابي ففكرت وقلت‏:‏ بأي وجه ألقى صاحبي وقد أسلمت أولاده وأهله وأمواله وملكه ونجوت بنفسي فرأيت القتل أيسر علي من ذلك فوقفت وعسكر ابن ما كان ينهب أثقالي وأثقال عسكري فلحق بابن العميد نفر من أصحابه ووقفوا معه وأتاهم غيرهم فاجتمع معهم جماعة فحمل على الخراسانيين وهم مشغولون بالنهب وصاحوا فيهم فانهزم الخراسانيون فأخذوا من بين قتيل وأسير وأسر ابن ما كان وأحضر عند ابن العميد وسار ابن العميد إلى أصبهان فأخرج من كان بها من أصحاب ابن ما كان وأعاد أولاد ركن الدولة وحرمه إلى أصبهان واستنقذ أمواله‏.‏

ثم إن ركن الدولة راسل بكر بن مالك صاحب جيوش خراسان واستماله فاصطلحا على مال يحمله ركن الدولة إليه ويكون الري وبلد الجبل بأسره مع ركن الدولة وأرسل ركن الدولة إلى أخيه معز الدولة يطلب خلعًا ولواء بولاية خراسان لبكر بن مالك فأرسل إليه ذلك‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة وقع بالري وباء كثير مات فيه من الخلق ما لا يحصى وكان فيمن مات أبو علي بن محتاج الذي كان صاحب جيوش خراسان ومات معه ولده وحمل أبو علي الصغانيان

وفيها وقع الأكراد بناحية ساوة على قفل من الحجاج فاستباحوه‏.‏

وفيها خرج بناحية دينوند رجل ادعى النبوة فقتل وخرج بأذربيجان رجل آخر يدعي أنه يحرم اللحوم وما يخرج من الحيوان وأنه يعلم الغيب فأضافه رجل أطعمه كشكية بشحم فلما أكلها قال له‏:‏ ألست تحرم اللحم وما يخرج من الحيوان وأنك تعلم الغيب قال‏:‏ بلى‏!‏ قال‏:‏ فهذه الكشكية بشحم ولو علمت الغيب لما خفي عليك ذلك فأعرض الناس عنه‏.‏

وفيها أنشأ عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس مركبًا كبيرًا لم يعمل مثله وسير فيه أمتعة إلى بلاد الشرق فلقي في البحر مركبًا فيه رسول من صقلية إلى المعز فقطع عليه أهل المركب الأندلسي وأخذوا ما فيه وأخذوا الكتب التي إلى المعز فبلغ ذلك المعز فعمر أسطولًا واستعمل عليه الحسن ابن علي صاحب صقلية وسيره إلى الأندلس فوصلوا إلى المرية فدخلوا المرسى وأحرقوا جميع ما فيه من المراكب وأخذوا ذلك المركب وكان قد عاد من الإسكندرية وفيه أمتعة لعبد الرحمن وجوارٍ مغنيات وصعد من في الأسطول إلى البر فقتلوا ونهبوا ورجعوا سالمين إلى المهدية‏.‏

ولما سمع عبد الرحمن الأموي سير أسطولًا إلى بعض بلاد إفريقية فنزلوا ونهبوا فقصدتهم عساكر المعز فعادوا إلى مراكبهم ورجعوا إلى الأندلس وقد قتلوا وقتل منهم خلق كثير‏.‏

  ذكر عصيان روزبهان على معز الدولة

في هذه السنة خرج روزبهان بن ونداد خرشيد الديلمي على معز الدولة وعصى عليه وخرج أخوه بلكا بشيراز وخرج أخوهما أسفار بالأهواز ولحق به روزبهان إلى الأهواز وكان يقاتل عمران بالبطيحة فعاد إلى واسط وسار إلى الأهواز في رجب وبها الوزير المهلبي فأراد محاربة روزبهان فاستأمن رجاله إلى روزبهان فانحاز المهلبي عنه‏.‏

ووردا لخبر بذلك إلى معز الدولة فلم يصدقه لإحسانه إليه لأنه رفعه بعد الضعة ونوه بذكره بعد الخمول فتجهز معز الدولة إلى محاربته ومال الديلم بأسرهم إلى روزبهان ولقوا معز الدولة بما يكره واختلفوا عليه وتتابعوا على المسير إلى روزبهان وسار معز الدولة عن بغداد خامس شعبان وخرج الخليفة المطيع لله منحدرًا إلى معز الدولة لأنه ناصر الدولة لما بلغه الخبر سر العساكر من الموصل مع ولده أبي المرجى جابر لقصد بغداد والاستيلاء عليها فلما بلغ ذلك الخليفة انحدر من بغداد فأعاد معز الدولة الحاجب سبكتكين وغيره ممن يثق بهم من عسكره إلى بغداد فشغب الديلم الذين ببغداد فوعدوا بأرزاقهم فسكنوا وهم على قنوط من معز الدولة‏.‏

وأما معز الدولة فإنه سار إلى أن بلغ قنطرة أربق فنزل هناك وجعل على الطريق من يحفظ أصحاب الديلم من الأستئمان إلى روزبهان لأنهم كانوا يأخذون العطاء منه ثم يهربون عنه وكان اعتماد معز الدولة على أصحابه الأتراك ومماليكه ونفر يسير من الديلم‏.‏

فلما كان سلخ رمضان أراد معز الدولة العبور هو وأصحابه الذين يثق بهم إلى محاربة روزبهان فاجتمع الديلم وقالوا لمعز الدولة‏:‏ إن كنا رجالك فأخرجنا معك نقاتل بين يديك فإنه لا صبر لنا على القعود مع الصبيان والغلمان فإن ظفرت كان الاسم لهؤلاء دوننا وإن ظفر عدوك لحقنا العار وإنما قالوا هذا الكلام خديعة ليمكنهم من العبور معه فيتمكنوا منه فلما سمع قولهم سألهم التوقف وقال‏:‏ إنما أريد أن أذوق حربهم ثم أعود فإذا كان الغد لقيناهم بأجمعنا وناجزناهم وكان يكثر لهم العطاء فأمسكوا عنه‏.‏

وعبر معز الدولة وعبأ أصحابه كراديس تتناوب الحملات فما زالوا كذلك إلى غروب الشمس ففني نشاب الأتراك وتعبوا وشكوا إلى معز الدولة ما أصابهم من التعب وقالوا‏:‏ نستريح الليلة ونعود غدًا فعلم معز الدولة أنه إن رجع زحف إليه روزبهان والديلم وثار معهم أصحابه الديلم فيهلك ولا يمكنه الهرب فبكى بين يدي أصحابه وكان سريع الدمعة ثم سألهم أن تجمع الكراديس كلها ويحملوا حملة واحدة وهو في أولهم فإما أن يظفروا وإما أن يقتل أول من يقتل فطالبوه بالنشاب فقال‏:‏ قد بقي مع صغار الغلمان نشاب فخذوه واقسموه‏.‏

وكان جماعة صالحة من الغلمان الأصاغر تحتهم الخيل الجياد وعليهم اللبس الجيد وكانوا سألوا معز الدولة أن يأذن لهم في الحرب فلم يفعل وقال‏:‏ إذا جاء وقت يصلح لكم أذنت لكم في القتال فوجه إليهم تلك الساعة من يأخذ منهم النشاب وأومأ معز الدولة إليهم بيده أن اقبلوا منه وسلموا إليه النشاب فظنوا أنه يأمرهم بالحملة فحملوا وهم مستريحون فصدموا صفوف روزبهان فخرقوها وألقوا بعضها فوق بعض فصاروا خلفهم وحمل معز الدولة فيمن معه باللتوت فكانت الهزيمة على روزبهان وأصحابه وأخذ روزبهان أسيرًا وجماعة من قواده وقتل من أصحابه خلق كثير وكتب معز الدولة بذلك فلم يصدق الناس لما علموا من قوة روزبهان وضعف معز الدولة وعاد إلى بغداد ومعه روزبهان ليراه الناس وسير سبكتكين إلى أبي المرجى بن ناصر الدولة وكان بعكبرا فلم يلحقه لأنه لما بلغه الخبر عاد إلى الموصل وسجن معز الدولة روزبهان فبلغه أن الديلم قد عزموا على إخراجه قهرًا والمبايعة له فأخرجه ليلًا وغرقه‏.‏

وأما أخو روزبهان الذي خرج بشيراز فإن الأستاذ أبا الفضل بن العميد سار إليه في الجيوش فقاتله فظفر به وأعاد عضد الدولة بن ركن الدولة إلى ملكه وانطوى خبر روزبهان وإخوته وكان قد اشتعل اشتعال النار‏.‏

وقبض معتز الدولة على جماعة من الديلم وترك من سواهم واصطنع الأتراك وقدمهم وأمرهم بتوبيخ الديلم والاستطالة عليهم ثم أطلق للأتراك إطلاقات زائدة على واسط والبصرة فساروا لقبضها مدلين بما صنعوا فأخرجوا البلاد ونهبوا الأموال وصار ضررهم أكثر من نفعهم‏.‏